Menu

الخليل تنفجر مجدداً في وجه الاحتلال: هل يصنع جبل الخليل الفارق في المقاومة؟

عليان عليان

عاشت جماهير شعبنا في الضفة وفي القطاع وفي مناطق 1948، ومعها جماهير الشتات الفلسطيني وأحرار الأمة، يوم فرح تاريخي، عندما استيقظت صباح أمس الأول على نبأ العملية الفدائية الجريئة، التي نفذها فدائيون فلسطينيون في جنوب الخليل، قرب مستوطنة "كريات أربع"، التي تضم غلاة المستوطنين، وعلى رأسهم الوزير الإرهابي المتطرف "إيتمار بن غفير"، وأسفرت عن مصرع مستوطنة وإصابة مستوطن آخر بجروح خطيرة.

ومرد هذا الفرح يعود إلى ثلاثة أمور هي:

  أولاً: أن هذه العملية جاءت بعد عملية حوارة البطولية بحوالي (24) ساعة فقط، إذ أن العدو لم يفق بعد من صداع حوارة، حتى جاءت عملية الخليل لتصيب الاحتلال وقياداته الأمنية بحالة من الصدمة والذهول.

 ثانياً: أنها جاءت بعد انتظار طويل، إذ كلما جرى تنفيذ عملية في نابلس أو جنين أو طول كرم أو الخليل أو بيت لحم أو أريحا، يقفز السؤال أين الخليل وجبلها؟ الخليل التي دوخت الاحتلال في عملياتها الفدائية الجريئة، من قبل فدائيي الجبهة الشعبية وحركة فتح  بعد نكسة عام 1967، وفي الذاكرة التي لا تمحي القائد العسكري الجبهاوي "أبو منصور" والقائد الفتحاوي "باجس أبو عطوان" اللذان دوخا الاحتلال، بقيادتهما للمقاومة في عموم منطقة الخليل، وكذلك مسلسل العمليات الجريئة التي أدمت الاحتلال مثل عملية "وادي النصارى"، التي هي حسب وصف القيادي في الجبهة الشعبية "عبد العليم دعنا"، باتت تدرس في الكليات العسكرية  الإسرائيلية، وكذلك عملية "الدبوية" التي نفذها فدائيو "فتح" وأسفرت عن مصرع عدد كبير من قوات الاحتلال.

ثالثا: أن منفذي هاتين العمليتين الجريئتين، تمكنوا من الانسحاب بزمن قياسي، ولم يتمكن العدو من العثور عليهما، رغم استنفار الآلاف من قوات الجيش وحرس الحدود والشاباك ورغم استخدام طائرات الاستطلاع والمسيرات، ما يؤكد أن العمليتين مخطط لهما على صعيد الاستطلاع الدقيق لمسرح العملية، وعلى صعيد آلية الانسحاب والتخفي بالاستناد إلى حاضنة شعبية مقاومة.

لقد جن جنون قادة العدو جراء تنفيذ عملية الخليل الفدائية، لا سيما وأن قادة العدو اطمئنوا بأن المستوطنين في محافظة الخليل في مأمن، ارتباطاً بعدة عوامل، منها:

أولا: الدور البارز لأجهزة أمن السلطة، في محاربة الفعل المقاوم والرأي المقاوم، وفي الذاكرة ما اقترفته هذه الأجهزة، بحق شهيد الموقف والرأي الوطني، المناضل نزار بنات.

ثانياً: مراهنة العدو على التركيبة الطبقية في الخليل، وما تتضمنه من فئة التجار والصناعيين الذين ارتبطوا بعلاقات اقتصادية مع الكيان الصهيوني، ما جعل قسم كبير منهم خارج إطار المواجهة مع الاحتلال.

ثالثاً: التركيبة العشائرية في الخليل، حيث عمل الاحتلال على إغراق المدينة بالسلاح لتوظيفه في النزاعات العشائرية والعائلية، بعيداً عن مواجهة الاحتلال.

لكن فات الاحتلال أن يدرك أن مدينة المليون مواطن، تختزن داخلها العمال والفلاحين والطلاب والمعلمين والمهندسين والأطباء وأبناء العشائر، الذين لا يمكن الشك في انتمائهم الوطني، وهؤلاء جميعاً في خندق المقاومة أو مؤازرتها.

وما يثير فزع العدو باعتراف قادته الأمنيين ما يلي:

1- بأن "الخلايلة" عندما يثورون، تصبح قوات الاحتلال في مأزق، لأن انتقال المقاومة المسلحة بقوة من شمال الضفة ووسطها إلى الجنوب ( الخليل وجبل الخليل)، يضع العدو أمام انتفاضة مسلحة وجماهيرية تعم أرجاء الضفة الغربية، على النحو الذي جرى في انتفاضة الأقصى (2000-2006).

2- أن اشتعال المقاومة في الخليل وجبالها، يشتت جهد العدو الصهيوني ويربك قواته وأجهزته الأمنية، فإذا كان العدو الصهيوني قد حشد (30) كتيبة، و25 سرية من ما يسمى "بالحرس الوطني" لمواجهة المقاومة في شمال الضفة ووسطها، فكيف يكون حال العدو عندما ينفجر بركان الخليل، الأمر الذي قد يضطره إلى حشد ثلثي جيشه لمواجهة المقاومة في عموم الضفة الغربية المحتلة.

3- كما أن اشتعال المقاومة في الخليل، يخفف الضغط العسكري للعدو على كتائب المقاومة في بقية أرجاء الضفة، ويساهم بشكل كبير في تدمير قوة الردع الصهيونية، التي باتت تعاني من تآكل هائل في مقدرتها، خاصةً أن هذا التآكل يتم في ظل الانقسام العمودي والأفقي في الداخل الصهيوني، وإعلان قطاعات واسعة من جيش العدو، عن رفضها الالتحاق بالخدمة العسكرية، سواء من المتعاقدين أومن قوات الاحتياط، على خلفية الانقلاب القضائي الذي قام به رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو.

4- أن عملية الخليل البطولية، أكدت للمرة المائة، على الفشل الذريع للمنظومة الأمنية الصهيونية، خاصةً وأن العملية تمت في المنطقة المسماة (ج) الخاضعة بالكامل للسيطرة الأمنية الصهيونية، التي ينتشر فيها جيش العدو بكثافة وقطعان المستوطنين المدججين بكل أنواع الأسلحة.

ما يجب الإشارة إليه هنا، أن اشتعال المقاومة المسلحة في الخليل، يؤرق العدو ويفاقم من أزمته الأمنية، ارتباطاً بأن محافظة الخليل هي الأكبر مساحة، والأكثر عدداً من السكان في الضفة المحتلة، ما يضطر العدو إلى حشد كبير من قواته في المحافظة، يضاف إلى ذلك أن وجود (500) مستوطن داخل المدينة، و(5000) مستوطن في محيطها في أكثر من مستوطنة يجعلهم صيداً سهلاً لرجال المقاومة الفلسطينية.

 وللتدليل على أهمية العملية الفدائية التي جرى تنفيذها في الخليل، نشير إلى حالة الهلع والتوتر الشديد، التي سادت أوساط الاحتلال السياسية والأمنية، وأوساط المستوطنين والتي ظهرت بشكل واسع في تغطيات وسائل الإعلام الإسرائيلية للعملية.

فقد نشر الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ تعليقاً على عملية الخليل، بقوله: "هذه العملية وغيرها، تؤكد على الأيام الصعبة والمؤلمة للإسرائيليين، لأن أعداءنا يعملون بكل الوسائل لضربنا وإلحاق الأذية بنا".

كما نشر المراسل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، يوسي يهوشع، أنّ العام 2023 "تحول إلى العام الأصعب منذ الانتفاضة الثانية، مشيراً إلى أن 34 مستوطناً وجندياً قتلوا حتى الآن، في مقارنة مع "العام 2022، الذي بلغ فيه عدد القتلى 33"، بالرغم من وجود "200 إنذار أمني في اليوم"، ما يشير إلى حجم التوتر الذي يعيشه الاحتلال على مستوى المستوطنين والأمن والقيادة السياسية.

كما ذهبت وسائل إعلام إسرائيلية، إلى انتقاد حكومة العدو الأكثر تطرفاً، بأنها لم تقدم أي رسالة أمنية، وفشلت في وضع حد للمقاومة المسلحة في الضفة المحتلة، مشيرةً إلى أنه لم يعد هنالك مكاناً آمنا في عمق الكيان الصهيوني، وفي الضفة الغربية، وفي مستوطنات غلاف غزة جراء عمليات المقاومة.

وذهبت وسائل الاعلام الصهيونية إلى ما هو أكثر من ذلك بقولها: أن الوضع في كيان الاحتلال بات يجمع بين إذلال على الحدود الشمالية، وإطلاق صواريخ من غزة، وتصاعد للعمليات في الضفة الغربية".

وأخيراً: عادت الخليل إلى سيرتها الأولى في المقاومة، مذكرة بدورها المركزي في ثورة البراق ( 1929) وثورة ( 1936) وبمقاومتها عام 1948، وبدورها  الرائد في المقاومة المسلحة بعد نكسة عام 1967، وبدورها المتقدم في انتفاضتي الحجارة والأقصى.

وها هي الخليل توزع الحلوى ابتهاجاً بالعملية الفدائية، وتنشد قصيدة شاعرها وأحد أبرز شعراء المقاومة "عز الدين المناصرة" خليلي أنت يا عنب الخليل الحر... لا تثمر وإن أثمرت، كن سماً على الأعداء، لا تثمر / الشهد في عنب الخليل وعيون ماء سلسبيل".